سورة الذاريات - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الذاريات)


        


{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6)}
{والذاريات} الرياح لأنها تذور التراب وغيره. قال الله تعالى: {تذروه الرياح} [الكهف: 45] وقرئ بإدغام التاء في الذال {فالحاملات وِقْراً} السحاب، لأنها تحمل المطر. وقرئ: «وقراً» بفتح الواو على تسمية المحمول بالمصدر. أو على إيقاعه موقع حملاً {فالجاريات يُسْراً} الفلك. ومعنى (يسراً): جريا ذا يسر، أي ذا سهولة {فالمقسمات أَمْراً} الملائكة، لأنها تقسم الأمور من الأمطار والأرزاق وغيرها. أوتفعل التقسيم مأمورة بذلك.
وعن مجاهد: تتولى تقسيم أمر العباد: جبريل للغلظة، وميكائيل للرحمة. وملك الموت لقبض الأرواح، وإسرافيل للنفخ.
وعن عليّ رضي الله عنه أنه قال وهو على المنبر: سلوني قبل أن لا تسألوني، ولن تسألوا بعدي مثلي، فقام ابن الكوّاء فقال: ما الذريات ذروا؟ قال: الرياح. قال: فالحاملات وقرا؟ قال السحاب. قال: فالجاريات يسراً؟ قال: الفلك. قال فالمقسمات أمراً؟ قال: الملائكة وكذا عن ابن عباس.
وعن الحسن (المقسمات) السحاب، يقسم الله بها أرزاق العباد، وقد حملت على الكواكب السبعة، ويجوز أن يراد: الرياح لا غير؛ لأنها تنشئ السحاب وتقله وتصرفه، وتجري في الجو جرياً سهلاً، وتقسم الأمطار بتصريف السحاب.
فإن قلت: ما معنى الفاء على التفسيرين؟ قلت: أمّا على الأوّل فمعنى التعقيب فيها أنه تعالى أقسم بالرياح، فبالسحاب الذي تسوقه، فبالفلك التي تجريها بهبوبها، فبالملائكة التي تقسم الأرزاق بإذن الله من الأمطار وتجارات البحر ومنافعه. وأمّا على الثاني، فلأنها تبتدئ بالهبوب، فتذرو التراب والحصباء، فتنقل السحاب، فتجري في الجوّ باسطة له فتقسم المطر {إِنّمَا تُوعَدُونَ} جواب القسم، وما موصولة أو مصدرية، والموعود: البعث. ووعد صادق: كعيشة راضية. والدين: الجزاء. والواقع: الحاصل.


{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9)}
{الحبك} الطرائق، مثل حبك الرمل والماء: إذا ضربته الريح، وكذلك حبك الشعر: آثار تثنيه وتكسره. قال زهير يصف غديراً:
مُكَلَّلٌ بِأُصُولِ النَّجْمِ تَنْسِجُهُ *** رِيحٌ خَرِيقٌ لِضَاحِي مَائِهِ حُبُكُ
والدرع محبوكة: لأنّ حلقها مطرق طرائق. ويقال: إنّ خلقه السماء كذلك.
وعن الحسن: حبكها نجومها. والمعنى: أنها تزينها كما تزين الموشى طرائق الوشي. وقيل: حبكها صفاتها وإحكامها، من قولهم: فرس محبوك المعاقم؛ أي محكمها. وإذا أجاد الحائك الحياكة قالوا: ما أحسن حبكه، وهو جمع حباك، كمثال ومثل. أو حبيكة، كطريقة وطرق. وقرئ: «الحبك» بوزن القفل. والحبك، بوزن السلك. والحبك، بوزن الجبل. والحبك بوزن البرق. والحبك بوزن النعم. والحبك بوزن الإبل {إِنَّكُمْ لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ} قولهم في الرسول: ساحر وشاعر ومجنون، وفي القرآن: شعر وسحر وأساطير الأوّلين.
وعن الضحاك: قول الكفرة لا يكون مستوياً، إنما هو متناقض مختلف.
وعن قتادة: منكم مصدّق ومكذب، ومقرّ ومنكر {يُؤْفَكُ عَنْهُ} الضمير للقرآن أوللرسول، أي: يصرف عنه، من صرف الصرف الذي لا صرف أشد منه وأعظم؛ كقوله: لا يهلك على الله إلا هالك. وقيل: يصرف عنه من صرف في سابق علم الله، أي: علم فيما لم يزل أنه مأفوك عن الحق لا يرعوى. ويجوز أن يكون الضمير لما توعدون أو للدين: أقسم بالذاريات على أن وقوع أمر القيامة حق، ثم أقسم بالسماء على أنهم في قول مختلف في وقوعه، فمنهم شاكّ، ومنهم جاحد. ثم قال: يؤفك عن الإقرار بأمر القيامة من هو المأفوك. ووجه آخر: وهو أن يرجع الضمير إلى قول مختلف وعن مثله في قوله:
يَنْهَوْنَ عَنْ أَكْلٍ وَعَنْ شُرْبِ ***
أي: يتناهون في السمن بسبب الأكل والشرب. وحقيقته: يصدر تناهيهم في السمن عنهما، وكذلك يصدر إفكهم عن القول المختلف.
وقرأ سعيد بن جبير {يؤفك عنه من أفك}، على البناء للفاعل. أي: من أفك الناس عنه وهم قريش، وذلك أنّ الحيّ كانوا يبعثون الرجل ذا العقل والرأي ليسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون له: احذره، فيرجع فيخبرهم.
وعن زيد بن عليّ: يأفك عنه من أفك، أي: يصرف الناس عنه من هو مأفوك في نفسه. وعنه أيضاً: يأفك عنه من أفك؛ أي: يصرف الناس عنه من هو أفاك كذاب. وقرئ: {يؤفن عنه من أفن} أي: يحرمه من رحم، من أفن الضرع إذا نهكه حلباً.


{قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)}
{قُتِلَ الخراصون} دعاء عليهم، كقوله تعالى: {قُتِلَ الإنسان مَا أَكْفَرَهُ} [عبس: 17] وأصله الدعاء بالقتل والهلاك، ثم جرى مجرى: لعن وقبح. والخرّاصون: الكذابون المقدرون ما لا يصح، وهم أصحاب القول المختلف، واللام إشارة إليهم، كأنه قيل: قتل هؤلاء الخراصون. وقرئ: {قتل الخراصين} أي: قتل الله {فِى غَمْرَةٍ} في جهل يغمرهم {سَاهُونَ} غافلون عما أمروا به {يَسْئَلُونَ} فيقولون: {أيان يوم الدين} أي متى يوم الجزاء؟ وقرئ بكسر الهمزة وهي لغة.
فإن قلت: كيف وقع أيان ظرفاً لليوم، وإنما تقع الأحيان ظروفاً للحدثان؟ قلت: معناه: أيان وقوع يوم الدين.
فإن قلت: فيم انتصب اليوم الواقع في الجواب؟ قلت: بفعل مضمر دلّ عليه السؤال، أي: يقع يوم هم على النار يفتنون، ويجوز أن يكون مفتوحاً لإضافته إلى غير متمكن وهي الجملة.
فإن قلت: فما محله مفتوحاً؟ قلت: يجوز أن يكون محله نصباً بالمضمر الذي هو يقع؛ ورفعا على هو يوم هم على النار يفتنون.
وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع {يُفْتَنُونَ} يحرقون ويعذبون. ومنه الفتين: وهي الحرّة؛ لأن حجارتها كأنها محرقة {ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ} في محل الحال، أي: مقولاً لهم هذا القول {هذا} مبتدأ، و{الذى} خبره، أي: هذا العذاب هو الذي {كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} ويجوز أن يكون هذا بدلاً من فتنتكم؛ أي: ذوقوا هذا العذاب.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7